يعرض متحف كورير للفنون في هامبشاير الجديدة في مانشستر أعمالًا جديدةً أبدعتها الفنانة الإيرانية أرغافان خوسرافي على مدى السنوات القليلة الماضية. تلاه معرضٌ آخر في معرض البندقية لعام ٢٠٢٢. كان أوّل معرضٍ فرديٍ لها في متحف في مسيرتها المهنية المزدهرة.
ولدت خوسرافي في شهركرد في إيران في عام ١٩٨٤ وانتقلت إلى الولايات المتحدة الأميريكية في عام ٢٠١٥. برزت بسرعة في الصف الأول من المشهد الفني في الولايات المتحدة وذلك لأعمالها المتعددة الجوانب والغنية والمبهرة التي تربط بذكاء تقاليد رسم المنمنمات الفارسية بالنهضة الأوروبية.
استخدامها للاستعارات المرئية والمراجع التاريخية وردود الفعل على الأحاديث الاجتماعية الحالية متطورٌ من الناحية الجمالية ويوفّر عالمًا من الغموض لجمهوره، تاركًا له مُهمّة فك الرموز وتقدير الكثير من الأشياء.
لا يحتاج المرء أن يكون إيرانيًا ليشعر بإحساس الريبة والقمع المنسوج في لوحاتها. تشرح خوسرافي أنه يُسمح للمشاهد، من خلال حجب هويات الشخصيات النسائية البارزة في نماذجها، أن يتخيل نفسه في كل موقف بصرف النظر عن خلفيته الثقافية.
حصلت أرغافان خوسرافي على ماجستير في الفنون الجميلة تخصص الرسم من مدرسة رود أيلاند للتصميم في عام ٢٠١٨. أنهت برنامج فن الاستديو من جامعة برانديس في عام ٢٠١٦. حاصلة على ماجستير في الفنون الجميلة تخصص التصوير من جامعة طهران في عام (٢٠٠٨) وبكالوريوس في الفنون الجميلة تخصص التصميم الجرافيكي من جامعة أزاد في طهران عام (٢٠٠٥).
أوضحت خوسرافي في مقابلة لها مع جلوبال فويسز عن تأثير أسلوب قص الحكايات غير المباشر في المنمنمات الفارسية على عملها وكيف استخدمت الاستعارة لتصور تجربة العيش الإيرانية في مجتمع ذكوريّ على حافة الحرب دائمًا.
متابعة لمقتطفات من المقابلة:
أوميد ميماريان: ستعرض أعمالك ثلاثية الأبعاد في مركز ركفيللر في نيويورك أواخر هذا العام كجزء من برنامج “الفن مركز الاهتمام” لعام ٢٠٢٢ من قبل صندوق الإنتاج الفني. كيف قررت إضافة بعد ثالث لعملك الفنيّ؟
أرغافان خوسرافي: بدأت تجربتي مع الأعمال ثلاثية الأبعاد من مجموعة رسومات استَخدمتُ بها ألواحًا ذات أشكال. جاءتني فكرة الألواح ذات الأشكال من تأمل لوحات المنمنمات الفارسية التي رُسمت لترافق نصًا وتكون جزءًا من كتاب بشكلٍ دائمٍ تقريبًا. لذلك كان هناك مستطيلٌ واحدٌ وهو الورق وبعد ذلك رسم الفنان صورةً أخرى داخل الإطار. في هذه الأعمال، هناك بعض اللحظات التي قرر بها الفنان أن تنبثق أجزاء معيّنة من اللوحة خارج الصورة؛ سواءً كانت جزءًا من المساحة المعماريّة في اللوحة أو المشهد أو حتى الشخصيات.
كُنت مُهتمة بتبني هذه الفكرة واستخدامها بطريقتي. لذا خصصت بعض هذه المساحات المعمارية في لوحات المنمنمات وصناعة ألواحٍ خشبية ذات شكل تُرتكز عليها لتأكيد هندسة الأجزاء المعماريّة وإعطاء وهم العمق لهذه المساحات المُسطّحة (وذلك بسبب منظورهم ذو مفهوم التكديس بشكل رئيسي).
أصبحت اللوحات أكثر شبهًا بجسم ثلاثي الأبعاد في اللحظة التي استخدمت بها لوحًا ذا شكل بدلًا من المستطيل المُعتاد. قادني ذلك لسلسةٍ أخرى من الأعمال استخدمتُ بها ألواحًا متعددة لصنعِ لوحة. منحني ذلك الفرصة للعب بأعماق مختلفة لكل لوح وهذا ما جعل العمل منحوت أكثر. بعد ذلك، فكرت بدمج القواطع الخشبية أو الأشياء التي أعثر عليها (كالحبل والحبل المرن أو الجلدي والقفل والسلسلة…إلخ) في هذه اللوحات. كنت مُهتمةً أيضًا بفكرة رسم سطح ثنائي الأبعاد بطريقة تبدو ثلاثية الأبعاد وبعد ذلك مقارنتها بمساحةٍ أو عملٍ ثلاثيّ الأبعاد حقيقي. أحب كيف تدعو هذه المقارنة المُشاهد لإلقاء نظرة عن كثب على كل لوحة وقضاء وقت أكثر لمعرفة أي جزءٍ تُمثّل.
أوميد ميماريان: تحظى النساء بحضور مُهيمن في معرضك لعام ٢٠٢١، “بين الأماكن،” كما هو الحال في معظم أعمالك الفنية. ما المختلف في هذه الأعمال المنحوتة عند مقارتنها بأعمالك السابقة؟
أرغافان خوسرافي: أصوّر النساء في جميع لوحاتي تقريبًا. ربما لأنني أفكر بذكرياتي وتجارب حياتي في إيران في جميع لوحاتي. في هذه الذكريات، العوائق المؤسسية والثقافية التي قيّدت مشاركة المرأة في المجال العام بارزةٌ للغاية. في سلسلة “بين الأماكن،” كنت مهتمة بدمج عنصرٍ مرئي ثابت في جميع الأعمال تقريبًا. كان العنصر المرئي هذا عبارة عن ألواح مستطيلة عمودية وصورة مقصوصة لصورة أو شخصية أنثى. تحجب هذه الصور المقصوصة هويّة هؤلاء النساء ليصبحوا مثالًا أو تمثيلًا عن مجموعة أكبر من الناس بدلًا من شخصٍ واحد. مع ذلك، يستطيع الجمهور التعرف على كل من هؤلاء النساء بواسطة خيالهم أو تخيل أنفسهم في كل موقف.
أوميد ميماريان: درست التصميم الجرافيكي والتصوير في إيران. كيف شكّل تعلمك الفن في إيران العمل الذي تقومين به الآن؟
أرغافان خوسرافي: في إيران، علينا أن نقرر مبكرًا جدًا (السنة الثانية من المدرسة الثانوية) تخصص مدرستنا الثانوية الذي سوف يحدّ من اختياراتنا لتخصص الكلية لاحقًا. في ذلك الوقت وعلى الرغم من أنني كنت مهتمة بالفن وجيدة جدًا فيه، اعتقدت عندما كنت في الخامسة عشر من عمري أنه يجب أن أتابع في الفن كعمل جانبي لذلك قررت اختيار الرياضيات لأصبح مهندسة أو شيء من هذا القبيل في النهاية. لاحقًا، في السنة الأخيرة من المدرسة الثانوية، أدركت أنني أودّ المتابعة في الفن كمهنةٍ لي لكنني كنت ما زلت أشعر أنه من الممكن ألا أكون قادرة على بناء مهنة بواسطة الفنون الجميلة أو الاعتماد عليها ماديًا. لذلك قررت دراسة التصميم الجرافيكي الذي يضم جوانب من الفنون الجميلة والتطبيقية.
في التصميم الجرافيكي، تعلمت التركيب واللون والتواصل البصري بشكل عام والتي هي اليوم مفيدة لتدريبي على الرسم. اعتقد أن المهارات والخبرات التي اكتسبتها من التصميم الجرافيكي قادتني إلى تناول الرسم من منظورٍ مختلف قليلًا عمّا إذا كنت قد تدربت لأصبح رسامة بطريقة تقليدية أكثر. لذلك ساعدني ذلك إلى حدٍ ما بتطوير رسمي الخاص وعمليتيّ الإبداعية. الشيء نفسه ينطبق على التصوير؛ منحني ذلك مجموعة من المهارات التي ما زالت بارزة في لوحاتي، على سبيل المثال، هيمنة السرد ورواية القصص المرئية. في تلك الفترة، على الرغم من أنني اعتمدت الرسم مؤخرًا في حياتي إلا أنني لا أندم على خياراتي وإن سنحت لي الفرصة لأعود بالزمن، من المحتمل أن أتخذ قرارات مشابهة.
أوميد ميماريان: في لوحتك “أن تكوني امرأة،” هناك متاهة من الرمزية على المشاهد اكتشافها. ما القصة وراء ذلك؟ هل ترين نفسك في هذه اللوحة؟
أرغافان خوسرافي: في هذه اللوحة، كنت أفكّر في النشأة والعيش في مجتمع ذكوريّ. في ظلِّ ظروفٍ كهذه، تُعامل النساء كما لو أنهنّ يرتكبن خطأً على الدوام ويجب تقييدهن بحدودٍ يفرضها المجتمع الذكوري (أو الدينيّ) عليهنّ — كالمجرمات. على سبيل المثال، أذكر أنني اعتقلت ذات مرّة في شوارع طهران لأن الحجاب الذي أُجبرت على ارتدائه لم يكن ساترًا بما يكفي. أنا متأكدة أن هناك الآلاف من النساء الأخريات اللواتي لديهن تجربة مماثلة. وضع المستطيل الأسود أمام عينيّ الشخصية في اللوحة هو انعكاسُ لتلك المفاهيم. إنه عنصرٌ مرئيٌ مألوف مرتبطٌ بنشر الوجوه الإجرامية في وسائل الإعلام.
الاستعارة الأخرى التي استخدمتها في هذه اللوحة هي المشهد الملوّن. أستخدم غالبًا هذه المشاهد الملونة والخضراء كرمزٍ للأمل والمكان المثالي والمدينة الفاضلة. (يمكنك إيجاد هذه الاستعارة في الأدب الفارسيّ أيضًا.) لك أن تخمن ما أقصده بالمكان المثالي في تلك الأعمال التي أفكر بها بقضايا حقوق المرأة والمجتمعات الذكورية. لكن في هذه اللوحة، تفصل ستارةٌ على وشك الانهيار أو التمزق المشهد المفعم بالحياة عن المُشاهد. خلف الستارة، ترى ظلًا ويَدُ أحد الشخصيات مما يوحي أن هناك شخصٌ ما يقف خلف الستارة وينظرُ إلينا لكن وجهه غائب. بوضع هذه الرموز خلف المشهد، تستطيع تفسير كل من هذه الاستعارات المرئية أكثر ضمن سياقٍ معين.
أوميد ميماريان: في لوحتك “التعليق” نرى صاروخًا موجهًا نحو وجه امرأة. هناك امرأةٌ أخرى مستلقيةٌ على ركبتيها فوق جسدٍ ما، الشخصيتان متجهتان نحو الأسفل على مُنحدرٍ حاد. تستدعي هذه اللوحة “الصخرة والمكان الصلب” ورطة الشعب الإيراني حيث الأسلحة، الوسيلة التي تُوصف بمساهمتها في أمن البلاد، لها تأثيرٌ معاكس في الحقيقة وتؤذي النساء على وجه الخصوص.
أرغافان خوسرافي: هذه قراءةٌ عميقةٌ ومثيرةٌ للانتباه. في هذه اللوحة، كنت أفكر في شعور الريبة. قمت برسم بهذه اللوحة بعد أشهرٍ من الحجر الصحيّ المنزليّ خلال فترة الجائحة. هكذا، بدأت الفكرة الأولى من تلك الحالة وعكست أيضًا وضع إيران الحالي. على مدى السنوات أو حتى العقود القليلة الماضية، شعر الإيرانيّون كما لو أنهم على حافة الحرب في معظم الأوقات. بالنسبة لي، كان هذا الشعور بمثابة صاروخ معلّق أمامك وليس لديك فكرة متى يتحرك.
أوميد ميماريان: كيف أثّرت الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية على فنّك — من حيث الشكل والتقنية إضافةً إلى الموضوع الذي تركزين عليه؟
أرغافان خوسرافي: جئت إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الرسم في كلية للدراسات العليا. قبل ذلك، لم يكن الرسم محور اهتمامي الرئيسي أبًدا؛ كان شيئًا أقوم به في أوقات فراغي بعد يومٍ من العمل. منذ مجيئي إلى هنا، أصبح الرسم محور اهتمامي وتغيرت حياتي المهنية بالكامل. أدرك كم كان خيارًا صائبًا كل يوم —أن أهاجر إلى هنا حيث يمكنني التعبير عن نفسي بحرية دون أن أقلق حول أي نوعٍ من الرقابة وأيضًا وأن أصبح رسامة. قبل ذلك، في التصميم الجرافيكي والتصوير، كان عليّ دائمًا الاستماع إلى زبونٍ أو ناشرٍ لأقوم في نهاية المطاف بنقل أية رسالةٍ أو أفكار يريدان مني قولها فقط.
علاوةً على ذلك، كان هناك رقابة مفروضة من قبل الحكومة لم تترك لي الكثير من المجال للتعبير عن نفسي. كان ذلك صدمةً بالنسبة لي لأن التعبير عن نفسي بحريّة وقول ما أريد قوله في العمل كان طموحي. كان ذلك أكثر شيءٍ مُرضي شعرت به عندما قدمتُ إلى الولايات المتحدة الأميركية وانتقلت للرسم. خلال تلك السنوات وخلال فترة الدراسات العليا، استطعت اختلاق نهجي الإبداعي وتقنيات رسم خاصة بي والتي ما زالت في تطور حتى اللحظة.
أوميد ميماريان: أيُّ شخصٍ يرى عملك الشامل، يمكنه رؤية أنك راويةُ قصصٍ إضافةً لكونك فنانةٌ مُتمرّسة. بهذه الطريقة، عملك مثيرٌ لذكريات المنمنمات الفارسيّة حيث يجب على المُشاهد استكشاف طبقات ذات معنى وعناصر مترابطة في جميع أنحاء اللوحة ليفهم القصص الكامنة والدوريّة. ما هو مصدر أسلوب القصّ هذا؟
أرغافان خوسرافي: ملاحظتك في مكانها تمامًا ومن الجيد جذًا سماع ذلك. رسم المنمنمات وبصورةٍ أكثرَ تحديدًا رسم المنمنمات الفارسية هو أحد مصادر إلهامي الرئيسية؛ سواءً كانت الطريقة التي صُوّرت بها العمارة في هذه اللوحات أو النهج في تصوير اللغة أو الألوان الساحرة أو الطريقة التي يظهر بها شكلٌ من أشكال تعبير الشخصيات في لغة جسدهم أو وضعياته بدلًا من وجوههم.
خاصّة من الخصائص الأخرى لهذه الأعمال، كما ذكرتَ سابقًا، أنها مصنوعة لترافق قصة. أحبّ أن يكون لديً نهجٌ مشابه في عملي الخاص. أودّ أن أٌثقل اللوحات بالرموز والاستعارات المرئية والشِفرات المتموضعة في طبقات بطريقة تدعو المشاهد ليأخذ نظرة عن كثب ويقضي وقت أكثر مع اللوحة. تسمح أيضًا أن تكون الأعمال متاحة للجماهير المختلفة القادمة من مختلف نواحي الحياة والخلفيات الثقافية.