بقلم “سوليداد مانيون” و”أومي سعيد” و”جورج فيلا” و”ساندرا روهيزي”.
كيف تُؤثر التكنولوجيا الرقمية على شباب العالم؟ بأي طريقة يجربون التكنولوجيا الاصطناعية وكيف يتصورون مساوئها وحسناتها؟ كيف يمكننا إنشاء مستقبل رقمي يخدم ويحترم الأجيال القادمة؟ هذه الأسئلة التي يواجهها الآباء والمشرعون وفئات المجتمع حول العالم كل يوم؛ لكن في كثير من الأحيان، توجد أصوات ناقدة لا يتم اعتبارها في النقاش، أصوات الشباب.
خلال الأعوام الأخيرة، شرعت في البحث عن أجوبة عن هذه الأسئلة، وضممت إليها أصوات الشباب، بمبادرة منظمة JAAKLAC، منظمة غير ربحية تهتم بالتربية الرقمية. أعرض ما توصلت إليه من نتائج.
يؤثر النظام البيئي الرقمي على الحياة، ومستقبل الأطفال، والشباب بطرق مختلفة؛ إلا أن الاستراتيجية الرقمية العالمية، والمحلية تفضل إعطاء الأولوية لاهتمامات الكبار والنمو الاقتصادي، وقد توسعت بوجهة نظري بالحديث مع شباب العالم كله بخصوص نظرتهم عن الآثار الإيجابية التي تُحدثها التكنولوجيا على صحتنا، والاقتصاد، والتطور الاجتماعي، كما ألهمتني طرق استغلالهم للتكنولوجيا الرقمية للتنمية المطبقة على حل المشاكل المحلية والعالمية.
لتحرير هذا المقال، استضفنا “أومي سعيد”، و”جورج فيلا”، و”ساندرا روهيزي”، من مالطا وكينيا وتانزانيا، على التوالي، للحديث عن تفاعلهم مع تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. يعملون في الحياة المدنية مع القضايا المتعلقة بالتربية الجنسية، والتناسل، والصحة العقلية، وتمكين النساء الفلاحات من الاستقلالية الذاتية، والنصائح المقدمة للأطفال بخصوص استعمال التكنولوجيات من أجل تطور المجتمع.
“سوليداد مانيون”: كيف تبدو التكنولوجيا الرقمية والإنترنت والذكاء الاصطناعي مهمة لك ولبلدك ومجتمعك، وما هي المستجدات التكنولوجية التي تأملها ولماذا هي مهمة لك؟
“أومي سعيد”: التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي هما بصدد التطور بوتيرة سريعة وهما يتقدمان كل يوم. تعتبر مهمة لأنها تحدث في نفس الوقت الذي يزداد فيه عدد السكان بشكل كبير، فهي توفر بدقة في التحكم في الوثائق والبيانات مع تسهيل العمل البشري.
على سبيل المثال، مع دمج الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الرقمية، يمكن للشباب الذين يصلون للخدمات الصحية من الحصول عليها بصفة سريعة جدًا، اعتبارًا من كون التقارير بإمكانها التخزين في آليات يمكن الوصول إليها عبر الإنترنت. هذا بالطبع يساعد الشباب كذلك في الحصول على خدمات من أي مكان يرغبون دون أخطار كبيرة ودون وصمهم بالعار؛ مثلًا، خلال جائحة “كوفيد-19″، كان من الصعب على الشباب العثور على خدمات للصحة الجنسية والتناسل، وبالتالي كان التفاعل محدودًا بسبب الحجر الصحي في كثير من المناطق. ساعدت التكنولوجيا في تواجد هذه الخدمات الحيوية من مكان الشخص. في كينيا، أتاح موقع One2One، التابع للمنظمة غير الربحية LVCT Health، للشباب البحث عن أخبار بخصوص العنف الجنساني، والصحة العقلية، والطمث، والحب، والإيدز، وغيرها. تتيح صفحة الويب خدمات للمستعملين على الإنترنت، في الوقت ذاته تتوفر كذلك على رسائل نصية مجانية ومواقع الدردشة ومكالمات للمستعملين عدا الإنترنت. كما وفر الموقع حضور مستشار معتمد للتفاعل مع الشباب عبر وسيلة يختارونها عدا الرسائل أو المكالمات.
هناك فضائل أخرى للذكاء الاصطناعي للشباب، مساعدة المدارس. يمكن للتكنولوجيا القيام بالواجبات الصعبة، كتصحيح امتحانات التلاميذ، حتى الحصص الدراسية المباشرة. فضلاً عن ذلك، مع إدراج الذكاء الاصطناعي في الكثير من النشاطات العامة، مثل التصويت عبر الإنترنت، يمكن تحفيز الكثير من الأشخاص لممارستها، ويمكن للخدمات الحكومية تحسين خدماتها لتسهيل استعمالها.
“جورج فيلا”: أتمنى أن أكون محافظًا بقدر ما فيه الكفاية، إذا ما تحدثنا عن الانتخابات الرقمية، فنحن لا نتحدث عن إسنادنا إلى الذكاء الاصطناعي المهمة الديمقراطية الأكثر أهمية وهي الانتخابات؛ فالتصويت عبر الإنترنت رغم سهولته، يمكن أن يخلق كذلك عدد كبير من المشاكل. باعتبارنا مواطنين مالطيين، مع مشاركة في الانتخابات الأخيرة بنسبة 85 بالمائة، النسبة المنخفضة جدًا، أعتقد أن السكان عادة ما يثقون في النظام، عند رؤية صناديق الاقتراع المغلقة في قاعات العد والمتطوعون يحسبون الأصوات. كيف يمكننا إقناع السكان بالذكاء الاصطناعي، أو التشفير من أوله إلى آخره؟ لإبطال الانتخابات، ليس ضروريًا القيام بأي شيء بصفة حضورية، إذ يكفي خلق ما يكفي من الشكوك بخصوص النتائج، فمثلاً، الشيء الذي يزعجني هو وجود تزييف كبير، وأصوات الذكاء الاصطناعي مقنعة بشكل متزايد. هذا يؤكد فقط أنه على المشرعين، والمسؤولين السياسيين اتخاذ إجراءات سريعة، وإلا قد يتأخرون على تقنين الذكاء الاصطناعي.
“ساندرا روهيزي”: جلبت التكنولوجيا الرقمية تجديدات كبرى في بلدي وفي العالم كله؛ فمن خلال الذكاء الاصطناعي، تساعد التكنولوجيا الأطباء على الوصول إلى تحديد الفيروس، ومعالجة المرضى المصابين بالسرطان أو أمراض أخرى. في بلدي، أتاحت التكنولوجيا الرقمية حل العديد من المشاكل الاجتماعية، مثل إنشاء وسائل آمنة لتوفير الأموال، وتفقد الحساب الجاري، وأمن المعلومات الشخصية. منذ ظهور جائحة “كوفيد-19″، تطور استعمال التكنولوجيا الرقمية سريعًا. حاليًا، يمتلك للأطفال الكفاءة لإنشاء تطبيقات، الأمر الجيد للمستقبل. هناك تطور لهذا النوع من التكنولوجيا، غير أنه يوجد فراغ كبير عن كيفية استعمال أفضل للتكنولوجيا، فمثلاً، أثرت هذه التغييرات سلبيًا على الصحة العقلية للشباب والأطفال، بسبب غياب التوازن بين استعمال التكنولوجيا والواقع. إضافة إلى ذلك، من الضروري استعمال العديد من الشباب، الذين يعيشون بعيدًا عن المدن، التكنولوجيا الرقمية وابتكار تجديدات مذهلة للمجتمع.
“سوليداد مانيون”: كيف يمكننا خلق مستقبل رقمي أفضل؟ وبأي طريقة يمكن للتكنولوجيا المساهمة في ذلك؟
“أومي سعيد”: في أغلب الأحيان، يُحرم الأطفال والشباب من التكنولوجيا، نتيجة اعتبارها من غالبية السكان في المجتمع، أداة تهدم مستقبل الشباب. يرى الكبار المحافظون التكنولوجيا الرقمية مثل الهواتف الذكية، أدوات مضيعة للوقت، ومقلصة لإنتاجية الشباب. هي نتيجة عدم امتلاك أباءنا، ومعظم أعضاء المجتمع، المعلومة الصحيحة بخصوص التكنولوجيا الرقمية، والذكاء الرقمي. يحتاج الشباب إلى نظرة أكثر اتساعًا لرؤية واستيعاب، مع وجود سلبيات لهذه التكنولوجيات الرقمية، يوجد أيضًا نقاط قوة عند الاستعمال الصحيح.
“جورج فيلا”: رغم اعتراضي على إدراج الذكاء الاصطناعي في الانتخابات، أنا متحمس للسرعة المتنامية للذكاء الاصطناعي. لقد أصبحت أنماط خطاب الذكاء الاصطناعي مثل GPT-3 ومواقع الدردشة للذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT إضافة رائعة بالنسبة لحجم العمل. كوني طالبًا، أستعملها لتساعدني على لخلق أفكار من أجل دروسي الأكاديمية وتلخيص بعض وظائفي الكتابية الطويلة. من جهة أخرى، استعملها للمشاريع شخصية، مثل تصحيح الأخطاء في لغة البرمجة، حتى القيام بألعاب نمطية، واختيار مغامرتك الخاصة بخصوص الحرب الباردة. شخصيًا، أعتقد أن قدرات الذكاء الاصطناعي أكبر بكثير مما هي عليها الآن، وأنا أتوق إلى رؤية التطورات في المستقبل. ما نقوم بتجربته حاليًا، هو نفس شعور موقع Napster خلال أيامه الأولى. تلك الآونة، كانت محادثات حيوية بخصوص التنزيل المجاني للموسيقى، الشيء الذي غير من طريقتنا في سماع الموسيقى حاليًا، كموقع Spotify مثلاً. هي بداية حقبة جديدة، ليس فقط للتكنولوجيا، بل للإنسانية جمعاء.
“ساندرا روهيزي”: كوني مؤسسة Kijana Factory، استعملت التكنولوجيات الرقمية لإعطاء الاستقلالية الذاتية للفلاحات في تانزانيا، لتبني زراعة بيئية ذكية وزيادة مداخيلهن. امتلك معارف أولية في التكنولوجيا، لاسيما في الترميز اللغوي مثل html وCSS وقليل من جافا. أعطي دروسًا، وأشارك كفاءاتي مع الآخرين بخصوص مواضيع مختلفة مثل الزراعة، والصحة، وكذلك التكنولوجيا. يُستعمل الذكاء الاصطناعي مع التكنولوجيات الرقمية، ومواقع التواصل الاجتماعي في الأرياف، للعمل عن كثب مع النساء الشابات اللائي يدعين إلى الاقتصاد المستدام. يضمن هذا الأمر أجرًا عادلاً، ويعلي أصوات شباب وشابات مجتمعي في العالم.
تعد فرص التكنولوجيات الرقمية دون حدود مع توسعها ووصولها لنواحي مختلفة في مجتمعنا. لكن تُتخذ القرارات المتعلقة بمستقبلها بمقاييس تكنولوجية كبرى، تفيد القليلين بشكل غير عادل، كما تغلب آراء المسؤولين الكبار الغربيين على المحادثات حول ترقية نظام بيئي رقمي شفاف ومسؤول. يُعد الشباب ثلث مُستعملي الإنترنت، والآثار المُترتبة على عصرنا الرقمي تؤثر على فرص حياتنا على عكس أي جيل سابق لنا. أمام هذا الوضع، يبدو مستعجلاً الاستماع إلى الآراء والتعاون معهم بغية تطوير الاستراتيجيات التي تحترم قيمهم ورغباتهم وحاجياتهم.