في الثاني من شهر أغسطس/آب 2022، أدانت محكمة في كازاخستان الكازاخستاني “مراد ميربيكوف”، البالغ من العمر 56 سنة والمقيم بجورجيا، بالسّجن لـمدة 15 سنة، في قضية اغتصاب والاتجار بالبشر؛ أمّا شريكه المزعوم في الجريمة، الجورجي “بيسيك توردوا”، المُتّهم بالاغتصاب والتسبب بالانتحار، فقد توفي عندما كان موقوفًا في جورجيا يوم 15 يوليو/تموز.
كشف الحادث عن عصابة اتجار بالبشر دولية تهدف إلى الاستعباد الجنسي وعرقلة التّعاون القانوني. وفق التّقرير القضائي فإنّ المُدان المزعوم دعا قريبته المُسماة “أسيل أيتباييفا”، البالغة من العمر 26 سنة، إلى المجيء إلى جورجيا، ووعدها بأن يجد لها عملاً؛ إلاّ أنّه اغتصبها وبالتّالي “ختم صفقته”، بعد ذلك مرّرها لشريكه؛ وحسب الادعاء الجورجي، فإنّ الضّحية ألقت بنفسها من الطّابق الثّامن لمبنى سكني مُتواجد في عاصمة جورجيا، “تيفليس”، يوم 5 مايو/أيار، بعدما اغتصبّها الرّجال وهدّدوها، وهذا ما أدى إلى توقيف “توردوا”. لكن غياب اتفاقية لتسليم المجرمين بين جورجيا وكازاخستان أدى، بطبيعة الحال، إلى محاكمتين منفصلتين في كلا البلدين، بحيث عاد “ميربيكوف” إلى كازاخستان يومًا واحدًا قبل الوفاة المُروّعة لأيتباييفا.
في اليوم الموالي، تمّ إنقاذ 10 أوزباكي من الاستعباد الوظيفي في “ألماتي”، وهي المدينة الكبيرة في كازاخستان، من خلال عملية تنسيق بين الشرطة الكازاخستانية والقنصلية العامة لأوزباكستان، انكشف من خلالها المسألة الفظيعة المتمثلة في الاتجار بالبشر والأنماط الحديثة للاستعباد في منطقة آسيا الوسطى بشكل عام، وفي كازاخستان بشكل خاص. حسب التّقرير الرّسمي لوزارة الداخلية الكازاخستانية، عُرضت، خلال الستة أشهر الأولى لسنة 2022، 57 حالة قضائية فقط متعلّقة بالاتجار بالبشر، مُقارنة بـ 103 حالة عُرضت سنة 2021. يعدّ الأشخاص المتواجدون تحت الضّغط للاستعباد الجنسي أو العمل القسري هم أجانب كُثر، حيث غالبًا ما ينجذبون إلى وعود لإيجاد فرص عمل.
تُعتبر الأزمة الاقتصادية وانقطاع الإنفاق العمومي، المتسبّبان في ظاهرة البطالة، عوامل زادت من خطر وقوع فئات من الأشخاص، لاسيما منهم المُستضعفين، ضحايا تجارة الرّقيق الحديثة أو الاتجار بالبشر، كما يُطلق عليها قانونيًا، كما أنّ الكساد الذّي سبّبته جائحة “كوفيد 19″، ضاعف كثيرًا عدد الأشخاص الذّين يتّجهون نحو عصابات الاتجار بالبشر. أضف إلى ذلك، نجم عن الغزوّ الرّوسي على أوكرانيا والحرب الدّموية التّي تدوم منذ أكثر من خمسة أشهر، الملايين من اللّاجئين، ووجد الكثيرون أنفسهم عالقين في أماكن غزتها القوات الروسية أو حاصرتها، وهذا يُضاعف خطر الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي؛ فخلال الشهرين ونصف الأوليين من بداية الحرب، نجم عنها فقدان قُرابة خمسة ملايين مناصب عمل في أوكرانيا فقط.
فيما يخصّ منطقة آسيا الوسطى، فإنّ الكساد، والبطالة، وانقطاع التّدفق التّجاري والمالي النّاجم عن الحرب، خلق هلعًا في نزوح الملايين من العمال المهاجرين من آسيا الوسطى إلى روسيا. حسب بيانات لسنة 2020، فإنّه من بين 11.6 مليون مهاجر دولي الذّين يعيشون في روسيا الفيديرالية، يوجد 41% أتوا من أربع دول لآسيا الوسطى: كازاخستان (22%)، أوزباكستان (10%)، قيرغيزستان (5%) وطاجيكستان (4%)، وعدد كبير منهم هم عمّال مهاجرون. تمثّل مداخيل العمال المهاجرين في البلدان مثل قيرغيزستان وطاجيكستان حوالي ثلث الناتج القومي المحلي؛ وبما أنّهم يشعرون بالخوف من فقدان عملهم ومداخيلهم، فهم يلجؤون للبحث عن العمل بصفة مستعجلة في بلدان جديدة وغير معروفة، مثل اليابان وكوريا وحتّى المملكة المتّحدة؛ وهذا، بطبيعة الحال، ما يزيد من مخاطر الاتجار بالبشر. إضافة إلى ذلك، وبما أنّه يبدو من المستحيل أن تنتهي الحرب والعقوبات في مستقبل قريب، فإنّ فقدان العمال المهاجرين لمناصب عملهم، بصفة متتالية، مع الاحتمال بالعودة إلى بلدانهم الأصليين، يمكن أن يؤدي إلى انهيار اقتصادي هائل في المنطقة كالبطالة وضغوطات هائلة على سوق الشّغل في آسيا الوسطى.
قبل فترة الاجتياح الروسي لأوكرانيا بكثير، كانت روسيا البلد الأصلي أو بلد العبور أو الوجهة لقرابة 1.5 مليون من العصابات، حيث ضمّت قضايا العمل القسري والاستغلال الجنسي، والآتين مُعظمهم من البلدان المجاورة. إضافة إلى ذلك، فقد كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” عن وجود إساءة واستغلال شاملين تجاه العمال المهاجرين في روسيا، حيث يُحتجز أجرهم أو يؤخّر في تسديدها، كما تُحتجز جوازات سفرهم أو رخص عملهم. لا يزال مصير العمال “غير النّظاميين” أكثر قتامة: فالنّظام دون تأشيرة لكثير من دول آسيا الوسطى، إلى جانب الصّعوبات البيروقراطية للحيازة على سجل أو تراخيص عمل في روسيا، دفع بالعديد من المهاجرين إلى انتهاج الطّرق غير القانونية. حسب الادعاء الروسي، فإنّ 99% من الحالات القضائية المتعلّقة بالاتجار بالبشر في روسيا لعام 2020، تخصّ تنظيمات للدّعارة أو مؤسسات لتوزيع المواد الإباحية، فالمهاجرون “غير النّظاميين” الذّين يحاولون تجنب التّقرب من السّلطات الأمنية، غالبًا ما يقعون ضحايا هؤلاء المجرمين.
يضع التّقرير السّنوي الحالي لإدارة الولايات المتحدة الأمريكية، المتعلّق بالاتجار بالبشر، روسيا من بين الدّول ذات مستوى 3 (أسوأ مستوى مُحتمل) بصفة تقليدية، إلى جانب أفغانستان والصين وتركمانستان، في حين تُصنّف باقي آسيا الوسطى، بما فيها منغوليا، من بين الدّول ذات مستوى 2. إضافة إلى نظام قانوني وإداري غير فعّال، غالبًا ما يؤدي هذا إلى إساءة واستغلال العمال المهاجرين، ممّا يفسح المجال للإتجار بالبشر؛ ويكشف التّقرير على أنّ اللّجوء إلى العمل القسري في شمال كوريا وتجنيد الأطفال في منطقة دومباس الخاضعة لروسيا في شرق أوكرانيا، يتمّ تلقائيًا، منذ 2014. منذ بداية الحرب في شهر فبراير/شباط 2022، فإنّ حالة الاتجار بالبشر، والتّي هي بالفعل فظيعة في روسيا، تفاقمت أكثر بكثير، مثلما تكشفه التّقارير المُفجعة بخصوص اللّجوء التّلقائي إلى العنف الجنسي من طرف الجنود الروس في أوكرانيا، وإعادة توطين، بصفة قسرية، لآلاف من المدنيين الأوكرانيين في روسيا، وإنشاء “معسكرات التّصفية”.
الصين، القوّة الإقليمية الأخرى، تورطت تلقائيًا في نشاطات وسياسات ضدّ الشّعوب المسلمة في منطقة “ويغور” في “سينكيانغ” ذات الحكم الذّاتي، في الشّمال الشّرقي للبلاد، والتّي توصف كجرائم ضدّ الإنسانية، إذ أنّ المُحتجزين داخل ما يسمى “معسكرات إعادة التّأهيل” يُخضعون للتّعذيب والعنف الجنسي والعمل القسري. في معسكرات الاحتجاز، وكما تظهره التّقارير، تُنقل قسرًا الشّعوب المسلمة من “سينكينغ”، وهي في غالبيتها من الإيغور، في منشآت صناعية المتواجدة في كامل أنحاء الصين، والتّي تضمّ العلامات التّجارية العالمية المعروفة مثل “آيبل” وبي أم دوبل يو” و”نايك” و”سامسونغ”.
فيما يخصّ أفغانستان، البلد الآخر للمنطقة، وهو ذو ماضٍ مؤسف في الاتجار بالبشر، فإنّ المخاطر ومستوى الفئات المستضعفة من السّكان تضاعف كثيرًا بعد وصول طالبان إلى الحكم في شهر أغسطس/آب 2021، ممّا سبّب في نزوح فوري 900 ألف شخص آخرين داخل وخارج البلد؛ وبالتّالي، بلغ عدد اللاّجئين الأفغان الذّين تمّ تسجيلهم رسميًا في البلدان المُجاورة مليونين، وفي بلدان مثل تركيا، التّي استقبلت ما بين 200 و600 ألف أفغاني، وحتّى قبل وصول طالبان. بغض النّظر عن الانخفاض الهائل في النّمو الاقتصادي وتدني الرّفاهية بعد الاستحواذ على زمام السّلطة، أصبح الاتجار بالبشر وإنتاج الهيرويين القطاعين الوحيدين في الاقتصاد، حيث ازدهرا بعد سقوط الحكومة الأفغانية؛ ففي شهر يوليو/تموز 2021، شرع طالبان في تجميع قوائم متمثلة في أسماء البنات اللاّئي بلغنّ أعمارهنّ أكثر من 15 سنة، لتزويجهنّ مع مقاتلين من طالبان، وحسب التّقرير الأخير للإتجار بالبشر، فإنّ مُعظم الأشخاص محل تجارة الرّقيق في أفغانستان هم أولاد ذكور، بحيث يُشغّل أكثر من مليون ولد، البالغين أعمارهم ما بين 5 إلى 17 سنة، في الأعمال القسرية والاتجار الجنسي، “كما أنّ الأولاد هم أكثر ضُعفًا من البنات كي يقعوا ضحايا الاتجار”، لاسيما الاستغلال الجنسي.
في الوقت ذاته، فإنّه رغم الانخفاض الطفيف، ولكنّه ثابت فيما يتعلّق بالعدد الإجمالي لحالات وضحايا الاتجار بالبشر في دول آسيا الوسطى، ما بعد الفترة السوفياتية، في السّنوات الأخيرة، والتّفاؤل الذّي أحدثته، إلاّ أنّه يمكن أن تصبح، الآن، هذه الدّول مناطق غير مستقرة وسط النّزاعات والأزمات التّي تشهدها المنطقة وضواحيها.