أمريكا اللاتينية على حبل الشرق والغرب مع الصراع الأوكراني والتوترات الصينية-الأمريكية

صورة من إيريك ريتانا

كتب هذا المقال ليوناردو أوليفا، عضو هيئة تحرير CONNECTAS، وأعيد نشره في جلوبال فويسز في إطار شراكة إعلامية.

عندما أسقطت طائرات سلاح الجو الأمريكي ثلاثة “أجسام طائرة مجهولة الهوية” في فبراير/شباط 2023، انتشر مصطلح UFO على تويتر قبل أن يجتاحه حدث نهايات كرة القدم الأميركية Super Bowl. غذت هذه الأجسام الغريبة المؤامرة والنظريات الخارقة للطبيعة حول كائنات فضائية قادمة لغزو الأرض. مع ذلك، كما كان على السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، أن توضح، “لا يوجد مؤشر على نشاط فضائي، أو خارج كوكب الأرض” في الأجسام المكتشفة.

جاءت هذه الأحداث الغامضة بعد أن أسقطت الولايات المتحدة المنطاد الصيني، بطول 60 مترًا في 4 فبراير/شباط، بعد أن حلق على ارتفاع 18 ألف متر فوق معظم الأراضي الأمريكية. أثار الحدث غضب واشنطن من بكين، المتهمة باستخدام هذه البالونات كجزء من برنامج تجسس. ردًا على ذلك، زعمت الصين أن الولايات المتحدة انتهكت مجالها الجوي بالبالونات أكثر من عشر مرات في عام واحد، مما أدى إلى تصعيد دبلوماسي ولّد أكبر أزمة بين القوتين في العقد الماضي.

يأتي التصعيد الصيني الأمريكي في الوقت الذي يصادف فيه يوم 24 فبراير/شباط الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لأوكرانيا، الذي وضع أوروبا الشرقية في حالة حرب والعالم على شفا الكارثة.

بينما تستمر القنابل في الانفجار في منطقة دونباس الأوكرانية، وفي ظل احتمالات اندلاع “حرب باردة” بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، تراقب أميركا اللاتينية هذه المواجهات المسلحة والدبلوماسية والتجارية من بعيد. وكانت هذه المسافة التي تنظر منها دول أميركا اللاتينية إلى الصراع سببًا يدعوها وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا مؤخرًا للتخلي عن “حيادها”.

يقول من العاصمة الأوكرانية، في مؤتمر عبر الفيديو مع صحفيين من المنطقة: “ندعو جميع زعماء أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى وضع هذا الحياد المزعوم جانبا والوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ”.

موقف قادة أمريكا اللاتينية

هذا الموقف البعيد، أو الغامض إلى حد ما، ظهر جليًا في اللقاء بين الرئيس الأميركي جو بايدن، والرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا في 11 شباط/فبراير في واشنطن. هناك، بعيدًا عن الموافقة على الانضمام إلى قيادة الرئيس الأمريكي في توحيد المجتمع الدولي ضد الغزو الروسي، قدم الرئيس البرازيلي، المنتخب حديثًا، نفسه كزعيم من “نادي السلام” الذي سيضم دولاً مثل الهند والصين لحل الصراع بين روسيا وأوكرانيا.

قبل أسبوعين، رفض لولا طلبًا من رئيس الوزراء الألماني أولاف شولتس، الذي كان في زيارة رسمية للبرازيل، بإرسال ذخيرة إلى أوكرانيا؛ بزعم إنه لا يريد “استفزاز الروس” وأضاف أن “روسيا ارتكبت خطًأ فادحًا بغزو أراضي دولة أخرى. لكنني أعتقد أنه عندما لا يريد المرء [المناقشة]، فلا يستطيع أي منا [المناقشة]”.

يتزامن موقف لولا بعدم التدخل مع الموقف الذي اتخذته أغلب دول أميركا اللاتينية، منذ هاجمت روسيا أوكرانيا قبل عام واحد. باستثناء نيكاراجوا، وكوبا، وفنزويلا، ودرجة أقل بوليفيا، التي تغاضت عن الغزو، فضلت بقية الحكومات البقاء بمعزل عن الأمر قدر الإمكان. كما لم ينضموا للعقوبات التجارية ضد موسكو، ولم يرسلوا أسلحة إلى القوات الأوكرانية. يقول إجناسيو هوتين، الصحفي الأرجنتيني، والخبير في شؤون أوروبا الشرقية، غطى بعض أعمال القتال في أوكرانيا: “إن الأمر يسير على نفس المنوال كما هو الحال في أفريقيا”.

Latin America needs investments and it does not matter if they come from Russia, China, the United States, the European Union or whoever. You cannot have a fight with anyone.

أمريكا اللاتينية بحاجة لاستثمارات، ولا يهم إذا كانت تأتي من روسيا، أو الصين، أو الولايات المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو أي شخص آخر. لا يمكنك خوض معركة مع الجميع.

من جهته، يرى المحلل الدولي فاني بيتينا أن هناك “فتور” في أميركا اللاتينية فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا. يشرح ذلك من الجانب التاريخي: رؤية روسيا كثقل موازن للهيمنة الأمريكية الشمالية. كما يؤكد بيتينا، الباحث في مركز الدراسات التاريخية في كلية المكسيك:

This anti-imperialism is automatically activated in the presence of a U.S. intervention, but not when another power violates international law.

تعود معاداة الإمبريالية لنشاطها تلقائيًا في وجود تدخل أمريكي، ولكن ليس عندما تنتهك قوة أخرى القانون الدولي.

عندما قررت روسيا غزو الأراضي الأوكرانية، حافظت حكومة فلاديمير بوتن على بعض وجودها في أميركا اللاتينية، ما يراه البعض مهم، بينما يقلل آخرون من شأنه. يقول سفير تشيلي السابق لدى موسكو، بابلو كابريرا: “لم أعتبر قط أن روسيا تتمتع بنفوذ مهم للغاية، يتجاوز بيع الإمدادات العسكرية لبعض البلدان. ربما كان لها تأثير أكبر خلال الحرب الباردة، ولكن بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي”. خسرتها كوبا وتورطها النسبي في فنزويلا”. من ناحية أخرى، يقدر هوتين الوجود الروسي في المنطقة، على الرغم من أنه يعترف بأنه على المستوى الدبلوماسي فقد نفوذه بعد غزو أوكرانيا. هو يضيف:

But in commercial terms, I would say that Latin America continues to have a good relationship with Russia. The case of fertilizers that Moscow sells to Brazil is quite famous, and it will not stop selling it to Brazil.

لكن من الناحية التجارية، أود أن أقول إن أمريكا اللاتينية لا تزال تتمتع بعلاقة جيدة مع روسيا. إن قضية الأسمدة التي تبيعها موسكو للبرازيل مشهورة جدًا ولن تتوقف عن بيعها للبرازيل.

التكيف مع الواقع الجيوسياسي المتغير

يبدو أن أميركا اللاتينية تحافظ على هذا التوازن السياسي الصعب لتجنب استعداء أي قوة. لكن بعد عام من الحرب التي بدت قصيرة الأمد، والتي تهدد الآن بالانتشار في الزمان (والمكان؟)، يحول العالم أنظاره إلى البالونات الصينية الغامضة التي يقال إنها حلقت أيضًا فوق دول أخرى مثل كولومبيا.

هل تتمكن حكومات أميركا اللاتينية من الاستمرار في النظرمن بعيد إلى هذه الصراعات بين القوى، دون الانجرار إلى موقف أو آخر، كما فعلت في مواجهة القنابل في أوروبا الشرقية؟ يجيب بيتينا: “من مصلحة الجميع ألا تتصاعد المنافسة المستمرة منذ عقد من الزمن بين الولايات المتحدة والصين، كما حدث على الأقل منذ رئاسة ترامب، إلى مسار من العداء المفتوح بشكل متزايد”.

A return to a global segmentation into blocs that reduce the space for autonomy and force countries to align themselves with one option or another is a scenario that has historically not favored Latin America.

إن العودة إلى تقسيم العالم إلى تكتلات، تقلل من مساحة الحكم الذاتي، وتجبر البلدان على التوافق مع خيار أو آخر، هو سيناريو لم يخدم أمريكا اللاتينية تاريخيًا.

يعتقد السفير السابق كابريرا أنه في مواجهة الغزو الروسي، أظهرت أمريكا اللاتينية “انقسامات أيديولوجية لا تتوافق مع كارثة إنسانية مثل هذه”. بذلك، “وفقًا لتقاليدها، كان ينبغي أن يكون لها موقف مشترك في مواجهة الحرب، والالتزام بالسلم والأمن الدوليين”. ويراهن كابريرا على أن المنطقة ستتبنى هذا الموقف في عام 2023 في مواجهة التوسع المحتمل للصراع الذي لا يرى نهايته بعيدة.

في الوقت الحالي، كما يتوقع هوتين، “من المحتمل أن يكون هناك تصعيد عسكري كبير من قبل القوات الروسية في الأسابيع المقبلة”، في الذكرى السنوية الأولى للهجوم الذي أدانته الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الفور وبشكل لا لبس فيه. من جانبها، اعتمدت الصين في البداية موقعًا بعيدًا، أصبح اليوم قريبًا بشكل متزايد من موسكو، في حين أرسلت بالونات تجسس (ذات طبيعة أرصاد جوية، وفقًا لبكين) للتحليق فوق سماء الولايات المتحدة، وتنفيذ تدريبات عسكرية تهديدية في تايوان وشن هجمات عسكرية. حرب تجارية مع الولايات المتحدة دون فائز في الأفق.

كتب الباحث إنريكي جوماريز موراجا، عن علامات التحول العالمي نحو عالم ثنائي القطب. مكان حيث يسعى مركز القوة الأوراسي الجديد، القائم على الاستبداد، إلى إزاحة المركز القديم، المتمركز حول التحالف الأطلسي والديمقراطية على النمط الغربي. في هذا السياق، يتعين على حكومات أميركا اللاتينية أن تقرر الاستمرار في السير على حبل الغموض المشدود، مع خطر الانجراف وراء رياح حرب باردة جديدة.

ابدأ المحادثة

الرجاء تسجيل الدخول »

شروط الاستخدام

  • جميع التعليقات تخضع للتدقيق. الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر تعليق مزعج.
  • الرجاء معاملة الآخرين باحترام. التعليقات التي تحوي تحريضاً على الكره، فواحش أو هجوم شخصي لن يتم نشرها.